الحملة العالمية الخاصة بالعنف ضد النساء
الأستاذة حفيظة شقير
كلية الحقوق والعلوم السياسية - تونس
انطلقت منذ 8 مارس من هذه السنة الحملة الدولية التي تنظمها منظمة العفو الدولية ضد العنف المسلط على النساء وأصدرت بهذه المناسبة تقرير عالمي حول هاته الظاهرة.
و لسائل أن يتسائل اليوم لماذا لم تنظم هذه الحملة إلا في بداية هذه السنة و الحال أن هذه المنظمة عريقة و موجودة منذ بداية الستينات و قد قامت بعدة نشاطات في مجال حقوق الإنسان سواء لاحترامها أو لوضع نصوص دولية لحمايتها أو للتنديد بخرقها أو لمساندة ضحايا و مساجين حقوق إلانسان.
فعلا منذ نشأتها اهتمت هذه المنظمة مثل بقية المنظمات الإنسانية بحقوق الإنسان بصفة عامة و لم تهتم بحقوق النساء بصفة خاصة أو حقوق تنفرد بها النساء و لم تبلور خطط عمل أو سياسات لحماية حقوق النساء
و قد انجر عن هذا الوضع فرق بين الحقوق العامة التي تمارس في الفضاءات العامة و التي تلاقي مساندة عريضة من قبل المنظمات الإنسانية و حماية دولية فعلية و الحقوق الخاصة بالنساء التي تمارس في الفضاءات الخاصة بعيدا عن أنظار الناشطين الحقوقيين و دون الخضوع إلى أي مراقبة دولية و محلية و تخترق من قبل أفراد العائلة أو المجموعة البشرية التي تنتمي إليها النساء
كما إ نجر عن هذا الوضع تمييز بين النساء و الرجال بسبب الجنس و بسبب طبيعة النظام القائم و هو في أغلب الحالات نظام أبوي مؤسس على سيطرة الرجال و دونية النساء.
لهذه الأسباب و مع تكوين المنظمات غير الحكومية في العالم و تدعيم دور المنظمات إلانسانية و الحقوقية و خاصة بعد ظهور المنظمات النسوية التي عملت على بلورة فكر نسوى يقوم على استنكار هذه الهيمنة الذكورية و فضحها و يعمل على تبديل ثقافة التمييز بثقافة المساواة و على إقرار نفس الحقوق للنساء و الرجال في كل الفضاءات و المجالات العامة و الخاصة كثرت النضالات من أجل الاعتراف بدور النساء الفعلي في كل المجتمعات و من أجل المساواة الفعلية و المواطنة الحقيقية.
وبمناسبة تنظيم المؤتمر العالمي لحقوق إلانسان في فيانا سنة 1993 نضجت هذه الفكرة و حاولت المنظمات غير الحكومية النسائية خاصة العمل لإيجاد مفاهيم جديدة ترتكز على اعتبار حقوق إلانسان كيان موحد غير قابل للتجزئة و التقييد .كما تعتبر في نفس السياق أن حقوق النساء هي جزء من حقوق إلانسان.
ومنذ انعقاد هذا المؤتمر تطور التماثل بين حقوق إلانسان و حقوق النساء و أدمجت حقوق إلانسان للنساء في منضومة منظمة ألأمم المتحدة و خاصة في هياكلها التي تعمل على حماية حقوق إلانسان ومنها لجنة حقوق إلانسان.
إذ تم منذ ذلك الوقت اتخاذ مجموعة من التوصيات و القرارات العالمية من اجل حماية حقوق النساء و الاهتمام بها بنفس الدرجة و القيمة التي تحضي بها بقية حقوق ألإنسان التي تمارس في كل الفضاءات.
و في نفس الفترة اعتمدت الجمعية العامة لمنظمة ألأمم المتحدة إلاعلان العالمي الخاص بالعنف المسلط على النساء و أنشئت لدى لجنة حقوق إلانسان خطة المقررة الخاصة بالعنف ضد المرآة، أسبابه ونتائجه.
و قد تكلفت هذه المقررة منذ البداية بإعداد تقاريرسنوية حول العنف المسلط على النساء و تلقت العديد من الشكاوى و تنقلت الى عدة دول لمعاينة حالات العنف و حماية النساء المعنفات و وجهت رسائل الى السلط المختصة لمطالبتهم بالتدخل لفائدة النساء المعنفات و اخذ كل الاجراءات الكفيلة لمعاقبة مرتكبيه
أما المنظمات إلانسانية المحلية و العالمية فقد بدأت بدورها و شيئا فشيئا تعالج هذه المسألة لكن تبقي أكثر المنظمات التي تهتم بهذه الظاهرة بصفة جدية هي المنظمات غير الحكومية النسائية التي نظمت العديد من القاءات و الندوات لتحديد هذه الظاهرة كما فتحت مراكز للاستماع للنساء المعنفات و لمساندتهن و حتى مأوي للاستقبال اللواتي يتركن بيوتهن أو ليس لهن بيوت.
كما نظمت بعض المنظمات غير الحكومية حملات للتنديد بالعنف المسلط على النساء أخذت في بعض الحالات شكل المحاكمات الصورية التي تتلقى شهادات النساء ضحايا العنف بمختلف أشكاله و غي مختلف الفضاءات.
و ما هذه الحملة التي تنظمها منظمة العفو الدولية إلا شكل من أشكال النضالات التي تقوم بها المنظمات لتحسين أوضاع النساء عبر التصدي للعنف المسلط عليهن
لذا تطرح علينا اليوم كيفية تحديد هذه الظاهرة و كيفية مقاومتها و كيفية حماية النساء المعنفات
1- تحديد مفهوم العنف المسلط على النساء
لتحديد مفهوم العنف و في غياب التشريعات المحلية لا بد من الرجوع الى النصوص الدولية المتعلقة بالموضوع
أ. مكاسب الإعلان العالمي بشأن القضاء على العنف ضد المرأة
عندما نطلع على الإعلان العالمي بشأن القضاء على العنف ضد المرأة المسلط على النساء يمكن لنا ان نستنتج ان العنف ضد المرأة هو :
"أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه أو يحتمل أن ينجم عنه أذى او معاناة بدنيين أو جنسيين أو نفسيين للمرأة بما في ذلك التهدبد باقتراف مثل هذا الفعل أو الاكراه أو الحرما ن التعسفي من الحرية سواء اوقع ذلك في الحياة العامة ام الخاصة"
كما جاء في المادة الثانية من هذا الاعلان أن العنف هو :
- العنف الجسدي و الجنسي و النفسي الذي يقع في إطار الأسرة
- العنف الجسدي و الجنسي و النفسي الذي يقع في الإطار العام للمجتمع
- العنف الجسدي و الجنسي و النفسي الذي تقترفه الدولة او تتغاضى عنه حيثما وقع
فمن خلال هذا التحديد للعنف يمكن ان نقدم معاييره:
فهو الذي:
- يقوم على أساس الجنس و لا يمكن أن يكون انحراف اجتماعي كما يعتقد البعض
- يمارس في كل الفضاءات الخاصة من قبل أفراد العائلة مثل الازواج والآباء والاخوة و الاقارب وفي الفضاء المهني من قبل الزملاء و المديرين وفي الفضاء العام من طرف ممثلي الدولة و أي مواطن في الشارع
- يمكن ان يكون جسدي او جنسي او معنوي و يأخذ أشكال متعددة
- يمكن ان يمارس بفعل القانون السائد أو العادات و التقاليد
هذا العنف يحد من تحقيق المساواة بين الجنسين و من الأمن و الحرية و السلامة و الكرامة
هذا العنف ينتهك حق النساء في الحياة و يحد تمتعهن بحقوق الانسان للنساء
كما يمكن ان يحرمها من الحق في الحماية المتساوية و من الحق في التحرر من جميع اشكال التمييز
هذا العنف يمكن أن يستمد شرعيته من الموروث الثقافي الذي يؤسس النظام الابوي السائد في العديد من الدول و العربية منها خاصة و الذي يكتسي في بعض الاحيان صفة القداسة عندما يقوم على قواعد او قوانين مستمدة من الدين تطبق بصفة خاصة في المجال العائلي و في الفضاء الخاص و تنشأ علاقات تمييزية بين النساء و الرجال
و يمكن ان يجد العنف جذوره في العادات و التقاليد التمييزية الراسخة المضرة بصحة النساء و بسلامتهن
و يمكن كذلك أن تكون له أسس قانونية و اقتصادية و سياسية نتيجة لبعض الاختيارات الاقتصادية التي أدت إلى تأنيث الفقر و البطالة أو وقفت حاجزا أمام تواجد النساء في مراكز أخذ القرار أو ممارسة الحقوق السياسية و الحريات العامة
و يمكن أن ينتج العنف عن النزاعات المسلحة و الحروب التي يمكن ان تأخذ مظاهر مشيئة مثل الاغتصاب الذي يمارس على النساء بصفة فردية او جماعية زمن الحروب او الجرائم ضد الانسانية التي تكون النساء ضحيتها.
ب- مكاسب الاتفاقية الدولية الخاصة بالغاء كل مظاهر التمييز المسلط على النساء
لم تتعرض هذه الاتفاقية بصريح العبارة إلى العنف و أكتفت بالتأكيد على التمسك بكرامة الإنسان و قدره و بالمساواة بين النساء و الرجال
.كما اعتبرت هذه الاتفاقية ان التمييز ضد النساء يمثل إنتهاكا لمبدأي لمساواة في الحقوق و احترام كرامة الانسان و عقبة أمام مشاركة النساء ، على قدم المساواة مع الرجل،في حياة بلادها السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية
لكن و أعتمادا على هذه الاتفاقية و لتاويل أحكامها صدر عن لجنة السيداو وهي اللجنة المكلفة بالسهر على تطبيق احكام الاتفاقية التوصية رقم 19 لسنة 1991 حول العنف ضد المرأة
اعتبرت هذه التوصية في النقطة عدد1 :
" العنف القائم على أساس الجنس شكل من أشكال التمييز ضد المرأة يعطل بصورة جدية قدرة المرأة على التمتع بحقوقها و حرياتها على أساس من التساوي مع الرجل"
و جاء في النقطة 6 من هذه التوصية ما يلي:
"تعرف الاتفاقية في مادتها الاولى التمييز ضد المرأة.و يشمل التمييز العنف ضد المرآة القائم على أساس الجنس أي الموجه ضد المرآة بصفتها امرأة ، أو ذاك الذي يلحق للمرآة بصورة غير متوازنة و يشمل ذلك الأفعال التي تلحق الأذى أو المعاناة الجسدية أو العقلية أو الجنسية ، و التهديد بمثل هذه الأفعال و القهر و أشكال الحرمان الأخرى من الحرية.
هكذا و بالاعتماد على هذه النصوص يمكن ان نقدم التعريف التالي للعنف المسلط على النساء:- انتهاك لحقوق الإنسان للنساء يمتد من زمن الحرب إلى السلم
- تمييز مسلط على النساء يجد أسسه في النظام الأبوي الدوني الراسخ لتبعية النساء للرجال و في السياسات و الاختيارات الاقتصادية
- هو مس من كرامة النساء
- هو تعدي على حرمة النساء و كيانها الجسدي و المعنوي و الجنسي
كل هذه التعريفات تمكننا من التفكير في كيفية التصدي لهذه الظاهرة
2- كيفية التصدي لظاهرة العنف
للتصدي لهذه الظاهرة لا بد ان نتوجه في بداية الامر الى النساء المعنفات ثم الى الجهات المختصة
أ. مساندة و مساعدة النساء المعنفات
تلعب المنظمات غير الحكومية دورا رئيسيا في مساندة النساء ضحايا العنف و في مصاحبتهن في كل فعل يردن القيام به و الوقوف الى جانبهن
و الملاحظ أن من اهم مظاهر المساندة التي يمكن ان تقوم بها هذه المنظمات هو تشجيع النساء على كسر جدار الصمت على العنف و حثهن على الخروج من العزلة
إذ عادة ما تفكر النساء أن العنف المسلط عليهن هو حالة شاذة منفردة و تخشى التصريح بآلامها و عندما يكون العنف ممارس داخل الفضاء العائلى تفضل النساء ملازمة الصمت عوض فضح اسرار عائلية و خاصة
أما عندما يتعلق العنف بالأطفال و البنات خاصة و يأخذ مظهر التعدي الجنسي و سفاح القربى من قبل الأب او أحد افراد العائلة فعادة ما فتجد الأم نفسها مجبرة على كتم السر خوفا من الفضيحة و المس من شرف العائلة
و كذلك الشأن بالنسبة للاغتصاب الزوجي الذي يمارسه الزوج على زوجته إذ تبين الشهادات أن النساء يخفن من التعبير عن العنف المسلط عليهن لان العائلة تقف بصفة عامة إلى جانب الزوج بتعلة انها مطالبة بالقيام بوجباتها الزوجية حتى و أن كان ذلك بالإكراه
نفس الشيء نلاحظه عند النساء للواتي تعرضن إلى تحرش جنسي في أماكن العمل .فكثيرا ما تفضل هاته النساء الصمت خوفا من العقلية السائدة التي تحملها مسوؤلية هذه الأفعال و خشية من فقدان العمل بعد تقديم شكوى ضد مرتكب التحرش الجنسي الذي عادة ما يكون العرف المباشر أو زميل من الزملاء
فكسر جدار الصمت يشجع النساء على الخروج من العزلة و الشعور بضرورة الدفاع عن كرامتهن و يمكنهن من البحث عن مساعدة قانونية و نفسية كما يقنعهن بعدم تحمل المسؤولية و الانتقال من وضع الضحية الى المسوؤلة
و يمكن التعبير على العنف النساء من القوة و من الاقتناع بضرورة الالتجاء الى المحاكم و الأجهزة الإدارية لتقديم الشكاوى و الدفاع على حقوقهن و على كرامتهن الإنسانية و كسب الثقة في أنفسهن و تجاوز الخوف الذي يحيطهن في بعض الاحيان
ب. مطالبة الدولة بمعالجة هذه الظاهرة
لا بد ان نعمل اليوم في اتجاه الدولة لحثها على تناول مسألة العنف المسلط على النساء بصفة جدية و ذلك :
- باعتبار العنف ظاهرة اجتماعية تقتضي معالجة صحيحة و ليس مجرد حالات شاذة يكفي التدخل لفائدة هؤلاء النساء لحلها والقيام ببحوث علمية و ميدانية حول هذه الظاهرة
- باعتبار العنف انتهاك لحقوق الانسان للنساء و جريمة ضد إنسانية النساء
- باتخاذ سياسات وطنية للقضاء على العنف و تطوير الاساليب الوقائية و التصدي لكل التبريرات السياسية و الثقافية و الدينية التي تشرع استعمال العنف
- بوضع قانون خاص لحماية النساء المعنفات مهما كان المجال الذي يمارس فيه العنف لتفادي نقائص القانون الذي لا يهتم بهذه المسألة إلا في حالات معينة و لرفع الحصانة التي تحيط بعض مرتكبي العنف
- بمعاقبة مرتكبي العنف و حماية الشهود و تخفيف الادلة حتى يسهل تقديمها و تعتمد عند إصدار الأحكام
- بحماية النساء ضحايا العنف لكي لا تتحول من وضع الضحية الى وضع المتهمة و تنتهك حقوقهن
- بتوفير المساعدة المادية و النفسية والقانونية و تقديم الخدمات الصحية و العلاج للنساء المعنفات
- بالمصادقة على الاتفاقيات الدولية التي تتعلق بحقوق النساء و خاصة الاتفاقية الدولية الخاصة بالغاء كل مظاهر التمييز المسلط على النساء و البروتوكول الاختياري الملحق للاتفاقية حتى يسهل تقديم الشكاوي لدى لجنة السيداو عنذ انتهاك حق من الحقوق التي أقرتها الاتفاقية
- بتبني تعريف العنف كما حدده الإعلان العالمي بشأن القضاء على العنف ضد المرأة المسلط على النساء و التعريف بكل الصكوك و الاليات الدولية المتعلقة بالموضوع مثل المقررة الخاصة بالعنف اسبابه و نتائجه لدى لجنة حقوق الانسان
- بتمكين المنظمات غير الحكومية من كل الامكانيات و كل وسائل الاعلام لتنظيم الحملات الوقائية و التحسيسية حول هذه الظاهرة
فاذا شرعنا في العمل على قضاء العنف المسلط على النساء نكون حققنا شوطا في احترام كرامة النساء وتحقيق المساواة بين الجنسين
الأحد فبراير 21, 2021 11:05 pm من طرف coucou2000
» الإعلام الآلي طريقة موريز الدرس03
الأحد أكتوبر 09, 2011 3:50 pm من طرف hourilaz
» ولاية أدرار رقم 01
الأحد مايو 15, 2011 1:10 pm من طرف hourilaz
» ولاية الأغواط رقم 03
الأحد مايو 15, 2011 12:42 pm من طرف hourilaz
» -السرطان-كيف نعالج مرض السرطان وكيف نقي أنفسنا منه-النصيحة الثالثة
الأحد مايو 15, 2011 12:25 pm من طرف hourilaz
» السكر -الوقاية خير من العلاج-النصيحة الثانية
الأحد مايو 15, 2011 12:18 pm من طرف hourilaz
» الوقاية خير من العلاج -كيف نقي أنفسنا من مرض الكولسترول- النصيحة الأولى
الأحد مايو 15, 2011 12:03 pm من طرف hourilaz
» الظلمات الثلاث
الخميس مايو 05, 2011 3:25 pm من طرف hourilaz
» الصلاة والتمارين الرياضية
الخميس مايو 05, 2011 3:23 pm من طرف hourilaz